أن العنف كظاهرة اجتماعية بارزة يتجلى في مختلف القطاعات الاجتماعية. فهناك العنف الأسرى والعنف المهني والعنف الجنسي والعنف المدرسي.
لا شك إن العنف المدرسي يندرج تحت ظاهرة العنف ككل، وكما نجد بين عوامل العنف ومظاهره ما يختص ببيئة معينة أو بلد معين، فإننا واجدون بين هذه العوامل والمظاهر أيضاً ما هو مشترك بين كل البيئات والبلدان وما هو مشترك بين بعضها.
ولظاهرة العنف المدرسي ارتباط بالتربية العائلية والتعليم المدرسي ويأخذ هذا العنف أشكالا مختلفة، هذه بعضها:
- إحداث فوضى في الصف عن طريق الضحك والكلام واللعب وعدم الانتباه.
- المشاجرة بين الطلاب: واحد ضد واحد ومجموعة ضد
مجموعة.
- التغيب المتمادي عن الصف.
- ابتزاز المال بالتهديد.
- الكلام السفيه والتحريض على الشغب.
- الأفعال المؤذية: من الكتابة المؤذية على
الجدران إلى الحرائق المعتمدة.
- العنف ضد الأشخاص: المعلم تجاه الطالب والطالب
تجاه المعلم والأهل تجاه المعلمين
هناك أثر التربية العائلية والتعليم المدرسي على سلوك الأفراد وتصرفاتهم وردود فعلهم، وبكلام آخر أن التربية العائلية الجيدة والتعليم الناجح لا يمكن أن يؤدي إلى ممارسات عنيفة كالعنف المدرسي.
إذا ما هو مصدر هذا العنف وأسباب تفشيه في معظم المجتمعات المتطورة وغير المتطورة؟ ومن المسؤول عن ذلك؟ التربية الأسرية؟ طريقة التعليم؟ نظرة المعلم إلى الطلاب؟ سياسة المدرسة والمجتمع بتجاهلها طبيعة الطالب والفوارق الفردية؟
تكاد الدراسات تجمع على أن أسباب العنف المدرسي تنقسم إلى قسمين:
· قسم خارجي
· قسم دخلي
الأسباب الخارجية ناتجة عن وجود طبقات شعبية فقيرة يكتنفها الكثير من الحرمان والبطالة وبالتالي سوء التربية العائلية.
أما الأسباب الداخلية فهي ناتجة عن السياسة التربوية والطرق التعليمية المتبعة في المدرسة من جهة، وعن الرسوب المدرسي من جهة أخرى، والمقصود بالسياسة التربوية نظام المدرسة القاهر(contraignant) المتعلق بالتوقيت أو البرنامج أو بنظم الأدوات والوسائل المستعملة.
أماالطرق التعليمية المتبعة فتترجم بعلاقة المعلم مع الطلاب، وكأن المعلم إنسان مقدس تكون أوامره منزلة غير قابلة للنقاش دون الأخذ بعين الاعتبار آراء الطلاب، وأوضاعهم المختلفة والفروق الفردية، علماً أن التعليم يقتضي معرفة الإصغاء لاقتراحات الطلاب، كما أن العقاب يحصل في أغلب الأحيان من اجل العقاب وتنفيس الغرائز العدوانية المكبوتة وليس من اجل إصلاح الطلاب، وبكلام آخر، أن العقاب يمارس كأمر نهائي دون تبريره أو تعليله.
كما تترجم علاقة المعلم غير المتوازنة مع الطلاب بغياب الوقت المخصص للطلاب خارج نطاق الدرس أو الصف، إن تكريس ساعات معينة لدرس أوضاع الطلاب وللاطلاع على مشاكلهم وتفهم حالاتهم من شأنه أن يخفف ظاهرة العنف.
ومن هذه العوامل أيضاً رسوب الطلاب وتوبيخهم أمام زملائهم بكلام لاذع وعدائي دون أن يدرك المعلم أن أسباب رسوبهم قد تكون عائدة أحياناً ألي أوضاعهم الاقتصادية والعائلية (بطالة ونزاعات عائلية وتيتّم).
كذلك هناك من يقسم عوامل العنف إلى قسمين: عوامل خارجية وعوامل داخلية، ويصنف العوامل الخارجية كالآتي:
1. العامل الاقتصادي
2. العامل الاجتماعي
3. العامل التربوي العائلي
4. العامل الثقافي
5. أثر وسائل الإعلام
** أما العوامل الداخلية للعنف المدرسي فأهمها الآتي:
1. الرسوب الدراسي:
معظم المدرسين وفلاسفة التربية يردّون العنف المدرسي إلى الإخفاق في الدراسة.
2. التربية الحديثة:
هناك من يرى في الإصلاحات التربوية الحديثة العامل الرئيسي للرسوب المدرسي وبالتالي للعنف المدرسي، ففي رأيهم أن المدرسة الابتدائية، وهي مهد الإعداد التربوي، انحرفت عن النموذج التقليدي القائم على تعليم القراءة والكتابة والحساب وباتت تدفع نحو 20% إلى المرحلة المتوسطة شبه جاهلين في هذه المعارف الأولية، ومن لا يتعلم القراءة بعيد السادسة والسابعة ينزع إلى رفض المدرسة والمعلم، كما ترفضه المدرسة، ولن يستطع متابعة أي تحصيل علمي على الوجه الصحيح بعد ذلك الحين.
3.مدير المدرسة:
أن شخصية مدير المدرسة وقدرته الإدارية والانسجام بينه وبين الجسم التعليمي من العوامل الحاسمة في التصدي للعنف المدرسي، لكن في معظم الأحيان تكون العلاقة، بين المدير والجسم التعليمي غير منسجمة وغير متوازنة، وهذا يؤدي إلى خلل في العلمية التعليمية، ومن مظاهرة أعمال العنف.
4. المعلمون:
صحيح إن هناك معلمين ذوي كفاية وضمير وإقدام، لكن هناك معلمين سيئين، لا يتمتعون على الإطلاق بالمواصفات الضرورية التي يجب أن يتحلى بها المعلم (وكنا قد أسهبنا الكلام عنها في هذه الدراسة)، وبالتالي يعززون العنف عبر عجزهم عن التعليم وعن إدارة الصفوف، وبعض هؤلاء لا يكترث لمصلحة الطلاب وينظر إليهم كوسائل وأدوات من أجل تحقيق مآربه وليس كغايات بحد ذاتها كما أشرنا سابقاً.
5. بناء المدرسة وعدد طلابها:
تبيَّن أن المدراس التي تتصف بجمال هندسي و فسحات خضراء وصالات رحبة تشهد عنفاً أقل من تلك التي لا تلبي هذه الشروط، كما تبين إن العنف يزداد مع ازدياد عدد الطلاب.
سادساً ـ الحلول وكيفية تفادي العنف المدرسي
إن كشف أسباب ظاهرة العنف المدرسي يشكل الخطوة الأولي لمعالجتها والتصدي لها، لذلك نرى الحلول لمواجهة هذه الظاهرة تندرج تحت بابي العلاج والوقاية.
بالنسبة إلى العلاج، نرى أن أي كبح فعّال للعنف المدرسي يجب أن يكون مرتبطاً بسلسة عقوبات واضحة ومحددة تنتمي إلى مجموعة قوانين مترابطة يفرضها مجلس إداري، ويجدر أن تنسجم العقوبة مع حجم الجرم، فيتصدى مدير المدرسة للأفعال الصغيرة، وتحال الأفعال الأقوى على مجلس المدرسة التأديبي، فيما تقع الأفعال الجسيمة، مثل العنف الجسدي والاعتداء الجنسي وحمل السلاح وابتزاز المال بالتهديد وبيع المخدرات، تحت طائلة القانون المدني.
أماالوقاية فمن مسؤولية وزارة التربية، ويمكن ترجمتها تحت ثلاثة أبواب:
1. من الناحيتين الإنسانية والاجتماعية
</STRONG>يجب إعطاء أولوية للتربية الأخلاقية، وهذا يحتم إيضاح حقوق الطلاب وواجباتهم عبر عقد خطي بين المدرسة من ناحية والطالب وذويه من ناحية أخرى.
وعلى المدرسين احترام الطلاب ومساعدتهم في كل مشكلة يواجهونها، مثل سوء المعاملة والوصول في الوقت المطلوب وتصحيح الفروض والامتحانات ضمن مهلة محددة. وهذا يعني اختيار المدرسين على أسس مدروسة تحدد كفاءتهم ونظرتهم لعملهم وللتلميذ.
2. من الناحية الإدارية
</STRONG>يجب اختيار الإداريين على أسس واضحة أيضاً، تجمع بين الكفاية العلمية والإدارية والرجاحة الخلقية. وكما تستتبع تنشئة المعلمين دورات مستمرة، هكذا تستتبع تنشئة الإداريين دورات في التدريب الإداري.
3. من الناحية التربوية
</STRONG>ينبغي تنشئة الطلاب، منذ المرحلة الابتدائية، على التعبير الشفوي والكتابي بلغة جلية، من أجل عرض أفكارهم بوضوح واجتناب الوقوع في الغموض وسوء التفاهم. ومن الضروري تقوية روح الإنجاز والإبداع لدى الطلاب عبر توزيع الجوائز واعتماد لوائح الشرف، مع تشجيع الطلاب الضعفاء. والحق أن كل تجنب للعنف المدرسي يجب أن يمرّ في التصدي للإخفاق في الدراسة.
وأخيراً، وبعدما رأينا، من خلال هذه الدراسة، العلاقة المباشرة بين العنف المدرسي والتربية العائلية من جهة والعنف المدرسي والتعليم وأساليبه من جهة أخرى، وبعدما لاحظنا أن الوضع الأسرى الاقتصادي والاجتماعي والتربوي يساهم في ارتفاع وتيرة العنف المدرسي، كما أن نظرة المعلم للتلميذ والأساليب المتبعة التي لا تضع الطالب على رأس سلم القيم تؤدي إلى الإخفاق المدرسي وبالتالي إلى العنف، فقد آن الأوان لوعي أهمية التربية العائلية المتزنة ـ حتى ولو كان الوضع الاقتصادي متأزماً ـ التي من شأنها ترسيخ القيم الإنسانية والاجتماعية ترسيخاً مطلقاً. عندئذٍ مهما كانت معاناة الفرد المادية، فإن قيمه الإنسانية الراسخة في داخله تستطيع أن تتحدى المشاكل التي تعترضه، فيواجهها بالتساهل والتفهم والمحبة.
كما حان الوقت لوعي المعلمين أهداف مهنتهم التي تضع الطالب في رأس القيم، وبالتالي لممارسة مهنتهم انطلاقاً من النظر إلى الطالب كغاية رئيسية والى التعليم كوسيلة من أجل بناء الطلاب و تطويرهم وبالتالي تطوير المجتمع.
</( النهاية ) |