أعزائي أولياء الأمور.. تابعوا أبنائكم وأصغوا لهم وصادقوهم، وتواصلوا مع مدارسهم ومعلميهم. قد يكون ابنك في أزمة، امنحه الثقة كي يلجأ لك ويصارحك ويطلب المساعدة منك...
يتفق معظم المربين والمختصين، بأن عالم الطفولة كم هو زاخر بالألوان والأنماط النفسية والاجتماعية، انه عالم بسيط لدرجة التعقيد..!
وكثيرمن هذه الأنماط والألوان بالتأكيد هي من نتاج المحيط الاجتماعي والذي يعمل على رسم معالم شخصيته الاجتماعية والنفسية، وذلك من خلال مواقف الحياة اليومية.
وكما للأسرة دوراساسي في تشكيل شخصية الطفل في سنواته الأولى،كذلك للمدرسة دور وقد يكون أكبر وأوضح.
لهدا سنقوم في هدا البحث المختصر بدراسة أحد السلوكيات الاجتماعية والنفسية التي تظهر بكثرة لدى أطفالنا وتلاميذنا (ضغط واضطهاد الأقران) وذلك بتوضيح أسباب تشكل هده السلوك وأعراضه، وبالتالي تحديد طرق وأساليب علاجه في الوقت المناسب، في البيت والمدرسة. ذلك لما لهدا السلوك من اثأر سلبية على الطفل ونموه الانفعالي والمعرفي من جهة، وكذلك على انسجامه وتكيفه الاجتماعي مع اقرانه في المدرسة.
فالمدرسة تستقبل عادة عدداُ من التلاميذ يأتون إليها من المجتمع الذي يحيط به حاملين معهم الكثير من أثاره، والكثير من أثار البيت الذي عاشوا فيه خلال السنوات الأولى من حياتهم. ويبقى عدد كبير منهم في المدرسة لفترة طويلة تمتد إلى اثنتي عشرة سنة وقد تمتد إلى أكثر من ذلك. يتفاعلون مع بعضهم البعض ومع عملية التربية المنظمة. فتعمل المدرسة عملها في الطفل من حيث أساليب التكيف المختلفة، هادفة إلى تزويده بما هو حسن وإبعاده عما هو سيء، ولا تتمنع المدرسة عن السعي وراء تعديل عدد من الأساليب والسلوكيات حين تجدها غير صالحة وغير مناسبة في الميدان التربوي والاجتماعي.. وتجد لديها الطاقة على تغييرها، معتمدة في ذلك على جهازها التعليمي وعلى المختصين في المدرسة (المختص الاجتماعي).
- ضحايا العنف وضغط الرفاق في المدارس:
من حين لحين " كمختصين اجتماعيين في المدارس " تأتينا شكاوى من بعض أولياء الأمور بأن طفلهم يرفض الذهاب إلى المدرسة بشكل مفاجئ ودون أية مبررات، كما أن بعض الأطفال يدعون إصابتهم بالمرض يومياً بل قد تظهر عليهم أحياناً علامات مرضية كالإسهال أو التقيؤ.
و بعد البحث في الأمر يتبين أن الطفل قد تعرض لشكل من إشكال الإساءة التي قد يتعرض لها أطفال المدارس خاصة صغار السن وهي أن يتنمر عليهم الأطفال الأكبر سناً، حيث يسعى الطفل الكبير إلى فرض قوته أو سلطته أو نفوذه بطريقة معينة على طفل أو أكثر أصغر سناً منه مثل سلب نقوده أو طعامه أو أن يوقعه في المشاكل أو يثير ضده الأطفال الآخرين أو يكيد له عند المعلم أو أن يفرض عليه القيام بخدمته أو أن يكون تابعاً له في المدرسة وغيرها من إشكال السلوك والتي تؤدي في نهاية الأمر إلى رفض الطفل “الضحية” الذهاب إلى المدرسة ويصبح في خوف دائم من الطفل “المتنمر” فيؤدي إلى شعوره بكراهية للمدرسة أو ادعائه المرض لتجنب الذهاب إليها.
والمشكلة تصبح اكبر من حجمها عندما يتجنب الطفل “الضحية” المتعرض للإساءة إخبار والدته أو معلمته بهذا الأمر خوفا من إلحاق الضرر به من “ المتنمر”. حيث تشيع هذه المشكلة انتشاراً بين الأطفال الذين لهم أوضاع خاصة، كالطفل الصغير في حجمه، أو الطفل القادم من بيئات اجتماعية مختلفة عن بيئات بقية الأطفال، أو الطفل الذي يعاني من تشوه خلقي أو صعوبة في النطق وغيرها من المظاهر التي تجعله أكثر عرضة للإساءة من قبل الأطفال الآخرين.
ونشدد على أهمية تنبه ولي الأمر والمعلمة لهذه النوعية من الأطفال المستهدفين للإساءة حتى لا يعانوا في صمت وتتفاقم مشكلاتهم دون المساعدة على حلها. ولابد من الإشارة إلى أهمية ملاحظة ولي الأمر لمؤشرات معينة قد تعني تعرض طفلهم إلى الإساءة في المدرسة منها: - تغيب الطفل عن المدرسة أكثر من مرة ودون مبرر مقبول - إذا انخفض مستواه الدراسي بصورة ملحوظة - كذلك إذا اشتكى من عدم رغبته في الذهاب للمدرسة - اضطراب النوم - التبول اللاإرادي
- ضعف التركيز - سرعة الاستثارة أو الغضب. الأمر الذي يعني إن الطفل يعاني من مشكلة ما، وبالتالي (يتوجب) على ولي الأمر والمعلمة طلب مساعدة الأخصائي الاجتماعي أو النفسي في المدرسة بهدف دراسة أسباب المشكلة والعمل على مواجهتها وحماية الطفل من التعرض للإساءة والخوف من التعبير عما يتعرض له. وللعمل على تخفيف أثارها قدر الإمكان، وبالتالي معالجتها.
فكم من تلميذ قد دفع ضريبة باهظة نتيجة لخضوعه لضغط رفاق السوء،أو لوقوعه كضحية لتلميذ متنمر(عدواني).
لهذا على الأهل الانتباه لسلوك طفلهم ورصد التغيرات التي تطرأ عليه وضرورة معرفة أسبابها ومحدداتها والعمل على متابعته من خلال التعرف على أقرانه (جنسهم. هواياتهم. مكان إقامتهم. مستواهم التحصيلي..). ومتابعته في المدرسة من خلال التواصل مع معلميه والمختصين الاجتماعيين في المدرسة.
= ولعنف الأقران أثار سلبية تقع على الطفل(الضحية) فينتكس نفسياً واجتماعياً، وتتضح أثارها في أربع نواحي جسمية ونفسية تتلخص بما يلي:
1- تدني الحالة النفسية: كالإحساس بعدم السعادة بشكل عام وانخفاض الثقة بالنفس والشعور بالغضب.
2- ضعف التوافق الاجتماعي: الشعور بالرفض للبيئة الاجتماعية معبراً عنها في شكل عدم الرغبة في الذهاب للمدرسة والغياب والعزلة. وقد تمتد هذه الآثار إلى مراحل متأخرة من العمر.
3- الضغوط النفسية: مستويات عالية من القلق والاكتئاب والتفكير اللاعقلاني.
4- المرض الجسمي: أعراض جسمية مرضية واضحة وهي بالأساس من منشأ نفسي، مثل القرحة المعدية والاضطرابات الهضمية وشحوب الوجه وفقدان الشهية المترافق بآلام الرأس....
= وكمثال على ضغط الرفاق أجد انه من المفيد أن اروي الحادثة التالية والتي حدثت في أحدى المدارس التي كنت أعمل فيها: في يوم من أيام العام الدراسي حضرت أم لأحد تلاميذ مدرستنا، تشكو بأن ولدها (ح.س) قد أصابته تغيرات ملحوظة هذا العام (دائماً يحاول التغيب عن المدرسة، مستواه التحصيلي في تراجع، تنتابه حالات من الشرود وتشتت الانتباه. وحالات من التمارض...).
وكمختصين قمنا بملاحظة سلوكه في مواقف متعددة (في الصف، جلسات فردية.. جماعية، ملاحظته وهو بين الأقران في مواقف وحصص متعددة، التعرف على أقرانه، التنسيق مع معلميه.... إلا انه لم نتمكن من رصد الأسباب والمحددات الحقيقية للتغيرات التي طرأت على سلوكه.
استمر هذا الوضع إلى أن جاء اليوم الذي حضرت فيه تلك السيدة وبرفقتها ولدها (ح. س) وأحد عيناه منتفخة مزرقة... وبعد تردد وخوف واضح بدأ التلميذ (ح. س) يكشف لنا المعانات التي كان يتلقاها من بعض أقرانه. بالحقيقة كانت قصة معاناته من بعض أقرانه مثيرة تتلخص بمايلي: التلميذ (م،ع) المعروف برعونته استغل هو وآخرون وضع زميلهم فكانوا يمارسون عليه العنف بالأساليب التالية:- كانوا يبتزونه ويجبرونه بأن يعطيهم مصروف يومي وإن تخلف فنصيبه سيكون الضرب والاستهزاء به طوال اليوم – كانوا حتى في الصف يتحكمون به وبتصرفاته فمثلاً يمنع من أن يتكلم أو يلعب دون أن يسمحوا له بذلك. وفي أحيان كثيرة كانوا يصطحبونه إلى أماكن خفية (خلف المدرسة) أو في الشارع بعيداً عن الأعين ليتمكنوا من تصفية حساباتهم معه. وكانوا أيضا يهددونه بالعقاب إن تفوه بكلمة واحدة للمعلم أو لأهله.... فبعد معرفتنا لتلك الأزمة التي كان يمر بها ذلك التلميذ من قبل أقرانه سهل علينا معالجة الحالة. من خلال المتابعة المستمرة والجلسات الفردية والجماعية للتمكن من محو الآثار السلبية التي نشأت نتيجة لتلك المعاملة من الأقران. وبالتأكيد الطرف الأخر (المتنمر أو المعتدي) كان أيضا بحاجة إلى المتابعة والعلاج كونه يعيش حالة غير سوية من التكيف الاجتماعي، من خلال الجلسات الفردية والجماعية وتكليفه بأعمال ضمن الجماعة ومقابلة ولي أمره بهدف التنسيق معهم في برنامج العلاج.....
* لماذا يؤذي طفل طفلاً آخر؟
بشكل عام يكون العنف ضد الأقران هو طريقة المعنف للتعبير عن مشكلاته، أي أن من يمارس العنف هو بالأساس قد تعرض لأشكال مختلفة من العنف والإساءة ضمن أسرته قد تكون إساءات لفظية أو جسدية... الخ. وهذا المعنف يقوم بترجمة ما تعرض له وإعادة إنتاجه وتطبيقه على بعض أقرانه كرد فعل وكأثر لتلك الإساءات التي تلقاها سابقاً وهنا تكمن خطورة الظاهرة.
وأول أعراضه تكون بعدم تقبل كافة أشكاله الاختلاف لدى أقرانه: ابسطها البدني/ الشكل: السمنة، ارتداء نظارة طبية، لون البشرة أو لون العين المميز...الخ.
= ويتميز المعتدي /المتنمر/على الأغلب بسمات تتجلى بما يلي: - ربما أقوى جسدياً - لديه رغبة قوية في السيطرة - سريع الغضب ومندفع - ضعف القدرة علي تحمل واستيعاب الاختلاف - يصعب عليه الالتزام بنظام المدرسة _ كثير التغيب أو التأخر عن المدرسة.
- عنيف تجاه الكبار وخاصة رموز السلطة ولو ضمنياً. - لديه ميل أكثر من أقرانه في ممارسة السلوك اللاجتماعي
- لديه توجهات سلبية تجاه المدرسة ويحصل علي درجات منخفضة.
- غير محبوب في المدرسة خاصة لدى صغار السن الأصغر.
= فمن كل ما سبق نستنج بأن عنف الأقران من أخطر الظواهر التي قد تتواجد في جميع مدارس العالم ومنها مدارسنا. لهدا لابد من برمجة لمعالجتها والحد منها ما أمكن لما لها من أثار سلبية على المتعدي والمتعدي عليه.
وتصميم برامج للحد من العنف بين الأقران في المدارس يحتاج إلي درجة عالية من التنسيق والتكامل بين عناصر البيئة التعليمية / الإدارة، هيئة التدريس، المرشدون النفسيون والاجتماعيون،/ وأولياء الأمور/ المجتمع المحلي/.
* ويتضمن البرامج العلاجي الإرشادي الناجح للحد من العنف والاضطهاد بين الأقران في المدارس على الخطوات التالية: - الإجماع على تعريف وفكرة واضحة عن العنف والاضطهاد بين الأقران
- الاتفاق على أنه يأخذ أشكال متعددة / نفسي.. جسدي.. /
- وضع خطة عمل جماعية يشترك فيها / الإدارة، المرشد الاجتماعي، المعلمين والمدرسين.... /
_ وضع توجهات تربوية ترفض عنف واضطهاد الأقران. تشمل: موقف المدرسة الرافض وتحديد واضح له.
_ التأكيد على حق التلاميذ في بيئة مدرسية خالية من عنف واضطهاد الأقران
_ التأكيد على عزم المدرسة في اتخاذ الإجراءات المناسبة لوقف هذا الظاهرة المتكررة "عنف الأقران".
_ التقييم الدوري للتوجهات التربوية ونتائجها في الحد من العنف بين الأقران.
_ إرشاد التلاميذ كأفراد ومجموعات للاتفاق على ما يجب عمله لتنفيذ الخطة الإرشادية للحد من العنف بين الأقران.
_ تشجيع نماذج من السلوكيات ذات الأثر الإيجابي على علاقات التلاميذ بعضهم البعض.
_ التعامل بالشكل التربوي المناسب مع حوادث عنف واضطهاد الأقران / والتأكيد على انه سلوك مكتسب قابل للتعديل، والأمر يتطلب المتابعة والعمل من قبل المختصين /. _ العمل مع أولياء الأمور والتنسيق معهم وحثهم وتشجيعهم للتواصل مع المدرسة والمدرسين.
* أما التلاميذ وهم النقطة المركزية والمحورية في البرنامج العلاجي ويتم من خلال جلسات إرشادية فردية وجماعية ترتكز على النقاط التالية:
_ مقابلة التلميذ الضحية وأسرته والتنسيق معها، للعمل على رفع مستوى تقدير الذات لدى الضحية وتعزيز ثقته بنفسه وان ما حدث كان أمر استثنائي وعابر وانه كان عليك " التلميذ " أخبار المعنيين في المدرسة بالموقف مند البداية. ويجب التنبه لضرورة إشعار التلميذ بالتضامن وبتفهم قضيته وبأن هدا الخطأ لن يتكرر مرة أخرى.
_ تدريب الأطفال على التحكم بغضبهم، وتوضيح ما هو العنف والاضطهاد بين الأقران وبيان أضراره وتأثيراته السلبية على الحياة السليمة السوية، وإيجاد البدائل/ سلوكيات وتصرفات مقبولة اجتماعياً / بمشاركة التلاميذ وبالاتفاق معهم ليتحملوا مسؤولية قراراتهم.
_ خلق علاقات إيجابية بين التلاميذ والمدرسين وبين التلاميذ أنفسهم، ودلك باعتماد توجه تربوي إيجابي في المدرسة يتفهم الطفل وعالمه، ويهتم بميولهم ورغباتهم ويلبي حاجاتهم/ النفسية والاجتماعية../ ويفسح لهم المجال لظهور قدراتهم الإبداعية وذلك بتشجيعهم على المناقشة والحوار والتساؤل والنقد والتفكير الحر، وعلى المشاركة في اتخاذ القرارات، وبالتالي ينمي فيهم روح الحوار والمحبة واحترام الأخر وتقبله...
وختاماً يتضح مما سبق بأن البيئة المدرسية قد تظهر فيها حوادث وظواهر اجتماعية ونفسية تخص أبنائنا التلاميذ، وهي بالأساس من نتاج التفاعلات الاجتماعية التي تحدث في البيئة المدرسية، حوادث قد يعتبرها المشاهد في الوهلة الأولى بأنها طبيعية عابرة.إلا أنها في حقيقة الأمر قد تلعب دوراً كبيراً في رسم معالم شخصيه التلميذ بل وحتى مستقبله، وهنا تبرز أهمية دور المرشد الاجتماعي الذي يمتلك الخبرة والمهارات التي تمكنه من أداء مهمته ودوره الذي يتلخص بمايلي: " تحديد الإطار العام للمشكلات الراهنة في المجتمعات المدرسية وذلك من خلال التعرف عليها وعلى آليات تشكلها، وكيفية التعامل والحد منها ومن ثم إبعادها وبصورة كلية. لهذا فهو يساهم بطرق ووسائل كثيرة لمساعدة التلميذ على بناء شخصيته وإدراكه الصحيح للواقع الاجتماعي والارتقاء به على أساس التفاعل الإيجابي بينه وبين البيئة الطبيعية والاجتماعية المحيطة به.)
المراجع:
_ علم النفس التربوي: د. علي منصور _ الصحة النفسية: د. نعيم الرفاعي
_ علم نفس الطفولة والمراهقة: د. مالك مخول _ ورشة عمل المرشدين حول حماية الأطفال
_ منشور لوزارة التربية " مديرية البحوث "
*- نظرا لحدوث خطأ فني أثناء النشر، بحيث نشرت النسخة غير المنقحة، تم استبدال المادة بتاريخ 7/4/2009، ووضعت
|