|
|
|
|
(صوت العراق) - 05-05-2009
ارسل هذا الموضوع لصديق
بقلم: عدنان شيرخان
تعاني المجتمعات التي رزحت عقودا طويلة تحت حكم انظمة شمولية دموية بوليسية من انتهاكات واسعة ومرعبة لحقوق الانسان، قد تستمر هذه المعاناة حتى بعد سقوط تلك الانظمة، بسبب شيوع وتغلغل ثقافات تنتمي الى فكر وممارسة الحقبة الماضية في شتى مناحي الحياة.
ستحتاج تلك المجتمعات الى الكثير من العمل المتواصل لاشاعة مفاهيم وقيم المجتمع المدني، خاصة فيما يتعلق باحترام حقوق الانسان ونبذ العنف بجميع الوانه ودرجاته، ومن الممكن ان يتميز دور بعض القطاعات في المساعدة على اشاعة القيم الجديدة، ويأتي قطاع التعليم في مقدمة تلك القطاعات.
من المهم هنا التركيز على ان ايمان ورغبة العاملين في هذا الحقل في التغيير يلعب دورا مهما وحاسما، ومقاربة مع تجارب الشعوب الاخرى رأينا مقدار المساهمة الفاعلة التي من الممكن ان يقدمها قطاع التعليم في نقل المجتمع خطوات الى الامام، ليس فقط من خلال ارتفاع مستوى التعليم كمواد تدريسية تلاحق التطورات العلمية، وانما في المساعدة الفاعلة في زرع قيم ومفاهيم مدنية تحل محل مفاهيم عسكرة المجتمع والعنف وازدراء حقوق الانسان والديمقراطية، ومعظم القضايا من هذا الوزن هي في حقيقة الامر صراع بين الافكار والرؤى. والخشية تأتي احيانا من منطلق (شارك وخرب)، من خلال بث افكار تؤيد وتمجد بالتلميح او من طرف خفي ثقافة العنف، وان العراق لايحكم الا بالعصا او الحديد والنار، وان الديمقراطية المنشودة خربت البلاد والعباد.
والاخطر من كل هذا وذاك، ان ترتبط هذه النظرة المؤمنة بالعنف بممارسة يومية، واعني وبدون لبس الداء الذي يسود الكثير من مدارسنا المتوسطة والاعدادية، وهي ظاهرة ضرب الطلاب واهانتهم بتوجيه الفاظ بذيئة وقذرة ونابية، لا تليق بحملة الرسالة العظيمة التي اوكلها لهم المجتمع وهي تربية الاجيال المقبلة.
يؤشر العنف المدرسي وجود مشكلة خطيرة في العلاقة الانسانية بين البعض من المدرسين والطلبة، ولن يفيدنا التستر على هذه الظاهرة باهمالها او عدم معالجتها بجدية وحزم، ثمة دلائل وشكاوى تؤشر باتجاه عدم حدوث تغيير ايجابي جذري بهذا الشأن، وان ظاهرة استخدام العنف ضد الطلاب تنتشر بشكل افقي وفي اتجاه معاكس للموجة التي تسود المجتمع باتجاه تبني سياسات تفضي الى اشاعة احترام حقوق الانسان.
وقبل ان تختلط الامور، اؤكد ان وزارة التربية وعبر مديرياتها ابلغت ادارت المدارس اوامر ولوائح ادارية واضحة بمنع ضرب الطلاب، ولكن علتنا الواضحة (على العديد من المستويات) تكمن بالمتابعة، وعدم رغبة البعض من ادارات المدارس بوضع حد لهذه الظاهرة، لاسباب تتعلق بموروث وممارسة خاطئة.
كيف سيلقي البعض من مدراء وادارات المدارس بالا الى اوامر صادرة حتى من وزير التربية مباشرة، مع اعتقاد متجذر في قرارة انفسهم بان اقصر واحسن طريق للتربية والتعليم هو الزجر والعنف واستخدام الايادي والعصي و(الصوندات)، مع الاطمئنان الى وجود العديد من المصدات التي تظهر في الطريق لوصول الشكاوى الى المسؤولين المعنيين بالامر واصحاب القرار.
اعتقد ان شرط المهنية الصحيح الذي يجب ان يتوفر في العاملين في حقل التعليم هو نبذ العنف، والاقرار بذلك بشكل تعهدي وخطي، وعدم اللجوء الى شتم او سب او ضرب الطلاب مهما حصل، والالتزام والتصرف بموجب لوائح وتعليمات وزارة التربية الواضحة.وربما لا يخطر على بال المدرسين الذين يؤمنون في قرارة انفسهم بالعنف، مدى الاضرار النفسية الكبيرة التي تلحق بضحايا العنف المدرسي وعوائلهم، فبدلا من ان يكون المدرس القدوة الحسنة للطلاب يكون اول زارع لبذرة العنف في نفوسهم.
ربما يكون من الضروري ان تبادر منظمات المجتمع المدني بتقديم المساعدة، والبدء بحملة للتثقيف واشاعة اظهار الاحترام والاهتمام بالطلبة، وتنظيم ورش عمل مكثفة تستهدف المدرسين والمعلمين لشرح مضامين العنف المدرسي والاضرار النفسية التي يعاني منها الطلبة المعنفون، وعدم اعتبار الضرب والشتم والاهانة ممارسات يومية روتينية.
اما فيما يخص المدرسين الذين يعانون من ضغوط نفسية اوعائلية او امزجة متقلبة، الذين لا يستيطعون كبح جماح غضبهم، فاني استعير من صديقي الشاعر المبدع احمد عبدالحسين فكرة (اكياس الملاكمة)، واقترح ان تخصص ادارات المدارس احدى غرف المدرسة تعلق فيها اكياس الملاكمة، ليفرغ المدرس صاحب المزاج البرتقالي العكر جام غضبه على هذه الاكياس قبل بدء الدوام، بدلا من صبها على وجوه اولادنا، الذين ارسلناهم الى المدارس ليتعلموا، فانقلبوا الى اكياس ملاكمة لمدرسين اقل ما يقال عنهم انهم فاشلون بامتياز .....
نسخة سهلة الطبع
|
|
|
|
|
|
|
|
|